تعرف العلمانيه كـ منهج سياسي حديث ( لاديني ) يقوم على أساس فصل الأديان و العقائد الإنسانيه عن مراكز إتخاذ القرار و التوجه السياسي العام للدوله وتنادي بحصرها في نطاق أماكن و دور العباده فقط وهي بذلك تهدف إلى تأصيل قناعة أن الإنسان مسؤول عن نفسه تجاه ربه عما يصدر منه من أعمال و أقوال .
تعتبر العلمانيه وجه من وجوه الليبراليه ( الحريه و التحرر )
تختلف الليبراليه عن العلمانيه بكونها موجهة للإنسان نفسه حيث أن المنادين لها يعتبرون الأنسان إله نفسه ! داعينه إلى التحرر من كل القيود الدينيه كما تدعوا أيضاً إلى التحرر من العادات و التقاليد الإجتماعيه الباليه بهدف تنشئة الإنسان الحديث المتوافق لنهج و ظروف و سياسة هذا العصر .
مما يعني أن
العلمانيه ,, منهج سياسة دوله
الليبراليه ,, منهج سياسة إنسان
أما تاريخ العلمانيه و الليبراليه ,, و بدايتها و ما قيل عنها
فقد كان للإستعمار الفرنسي , أسبقية نشر وتصدير العلمانيه إلى الشعوب الشرقيه و دول العالم الإسلامي تحديداً عن طريق المستعمرين و المستشرقين الأوربيين الذي كانوا يتوافدون عليها من كل حدب وصوب وقد لاقوا في حملاتهم هذه هجمات شرسه و عنيفه من قبل رجالات الدين الذي كانوا يسيطرون على مجتمعاتهم فكرياً مما يعني سيطرتهم ونفوذهم على مراكز القياده و إتخاذ القرار فيها ! و قد إستند هؤلاء المدعوذين دينيا وفكريا في هجماتهم على المستشرقين و المتنورين بأنهم اداة تهدف إلى تشتيت العقول المتدينه وإضعافها دينياً ! وبأنهم يريدون السيطره على ثروات هذه الشعوب التي جاءوا إليها !!
الحقيقه التي لايمكن إنكارها تاريخيا و وثائقيا هي ان مجتمعاتنا الشرقيه و الاسلاميه والعربيه بالتحديد كانت ولا زالت هي شعوب مهمشه متخلفه يعاني أفرادها من القهر و الظلم و الإهمال و إلغاء تام للعقول المتنوره فيها وقد شكلت بذلك نوع من أنواع المعاناة الإنسانيه و كيفية أهدار كرامة المجتمعات فيها بتنويمها و إخضاعها بالتستر خلف الشعارات الدينيه البراقه التي كان ظاهرها التدين و تطبيق الشريعة الاسلاميه و باطنها البحث عن المصالح الخاصه و الطمع و حب السطوه و الإمتلاك .
إلى يومنا هذا !
لا يزال البعض من المدعوذين يدعي بأن العلمانيه جاءت لإضعاف العقيده الإسلاميه و تشكيك المسلمين بـ عقيدتهم و إبعادهم عنها ! مرددين ومتفاخرين بعدم إستطاعة المستعمرين أن يهزموا المسلمين بسبب قوة إيمانهم و قوة عقيدتهم السمحاء !
مع أن الحقائق التاريخيه تخبرنا بأن الإستعمار الذي إجتاح معظم الدول الإسلاميه قد هزم شعوبها و نجحوا في تنصير عدد كبير منها بل أن بعض الشعوب العربيه قد تغيرت لغتها العربيه و ظهر عليها التأثير الواضح للإستعمار الفرنسي بالذات مثل دول المغرب و تونس و الإستعمار التركي و تأثيره على اللغه الشاميه وغيرها من الأمثله ! , حتى أنه لم يخرج مهزوماً بسبب تماسك المسلمين و صلابتهم الدينيه كما يشاع إنما إنهزم بسبب إستعمار دوله أخرى لمستعمرته الإسلاميه ! وبسبب تضارب مصالح الدول الإستعماريه مع بعضها البعض .
مثل تعاون الاستعمار البريطاني مع الملك عبدالعزيز ضد الاستعمار التركي !
مثل تعاون بريطانيا و تركيا ضد الإستعمار الفرنسي في بلاد الشام !
مثل حركات الضباط الاحرار و العرب الاحرار وما كانوا يتلقونه من مساعدات غربيه !
مثل هزيمة الإستعمار الفرنسي وطرده للاستعمار البرتغالي من بلاد المغرب العربي !
وغيرها الكثير من الامثله التي تثبت لنا بأن الدول الإستعماريه هزمت بعضها البعض ولم يهزمها المسلمون كما يدعون و يزورون الحقائق , كعادتهم !
أيضاً يتبادر في ذهني حيرة و سؤال !؟
لو لم تظهر العلمانيه عند الغرب , ولو أنهم بقوا على ماكانوا عليه قبلها من حروب و صراعات التعصب الديني والطبقي و العرقي الذي كانوا عليه !
ماذا سيكون حال المسلمين اليوم !!
هل كنا نرضى بأن يفرضوا علينا إعتناق عقيدتهم النصرانيه ,, مثلا ً
خصوصاً و أنهم متفوقين علينا ,, عقل و قوه !
نحمدالله ,, أن علمانيتهم هذه أنقذتنا من بطش تلك السياسات الدينيه الساديه
و بقراءه سريعه للعلمانيه وما حصل لها .
و بقراءه سريعه للعلمانيه وما حصل لها .
هي أن صفوة مثقفين الأمه وعقلائها إقتبسوا العلمانيه بعد أن رأوا فيها السياسه المثلى و القادره على قيادة الشعوب وفق مفهوم الدوله الحديثه القائمه على الإعتدال بالنهج العام و حفظ كرامة الإنسان و حرية الديانه و الإعتقاد دون فرض هذا الدين على جميع أفراد المجتمع .
.
إستخدم المثقفون المسلمين مبادئ العلمانيه و أهدافها الداعيه إلى إحترام كافة الأديان السماويه دون فرض أي منها و دون جعلها أداة توجيه عام للمجتمع و حرصت على عدم هيمنة ديانة محدده على السياسه و التوجه العام للدوله حتى لا يقوم أصحاب دين معين بـ إدارة شؤون بقية الأديان فيها !
فـ أصبحت العلمانيه و الليبراليه ,, وفق المفهوم الحديث
منهج معاصر يقوم على مجموعة مبادئ و مفاهيم لإدارة الذات الإنسانيه أساسها إحترام العقل .
و يتلخص هذا المفهوم
بإعتبارها دعوه إلى التحرر من الموروثات و العادات الإجتماعيه المقيته و إلى حرية الفرد الشخصيه بالفكر و التعبير و حرية الإعتقاد الديني و العمل على فصل الدين عن السياسه العامه للدوله و المساواة و العداله بين أفراد المجتمع بإختلاف توجهاتهم و إنتماءاتهم الدينيه و العقائديه و العرقيه و نشر العدل و المساواه بالحقوق و الواجبات الخاصه بالرجل و المرأه .
بعد إستيعابي لـ صحة هذا المفهوم العقلي و المنطقي عن العلمانيه
دأبت على ترسيخ هذه المبادئ في ذهني فأصبحت لدي قناعه شخصيه بأن ( العلمانيه ) هي الوسيله الملاءمه كـ منهج و إسلوب لإدارة الحياة العصريه للدول بل أعتبرها من الضروريات و المتطلبات الحتميه للمحافظه على الدين و إحترامه بدون أن أفرضه على غير المعتقدين به و دون التعصب لأفكاره كما أنه يساعد على إستقرار الدول داخلياً .
هذا هو إيجاز مبسط و ملخص لمفهوم العلمانيه و الليبراليه و أهدافها و مبادئها و ما تدعوا له
و للعلم ,, فقد إختلفت التعريفات و التسميات و المفاهيم الليبراليه و العلمانيه كثيراً وأصبح للبعض قناعاته الخاصه بها بـ أخذ ما يريد منها و تجاهل ما لا يريد .
فقد إجتهدت قدر الأمكان فيما سبق حتى أقلل من إختلاف النظره و الرؤيه المختلفه عند البعض فيما يخص المبادئ العلمانيه و طريقة تقبلها و الأعتقاد بها كما أنني طرحت رؤيتي الشخصيه للعلمانيه بشكل عام .
اما موضوعي الأساسي
فهوا ما لاقته العلمانيه و ما زالت تلقى و يلقى حاملوها من هجمات كلاميه قاسيه و تهكمات من بعض رجال الدين و المسلمين ممن يحملون أفكار متطرفه و عقول فارغه وصلت إلى حد تكفير العلماني و إطلاق أسوء الأوصاف و الألقاب عليه و إلحاق الضرر به إجتماعياً بجعله كافر ملحد منحل أخلاقياً ! متمترسين خلف دعاوي بعض أئمة المسلمين التكفيريه معتبرين التعرض لهم و لدعواتهم تعدي على قدسية الشريعه السمحاء ! متناسين أن هؤلاء الأئمه مجرد بشر كـ غيرهم معرضين للوقوع بالأخطاء و غير منزهين عن ذلك .
يردد بعض المتأسلمين مقولة أن العلماني ضد الإسلام و المسلمين و يشكل خطر على عقيدة المجتمع مستغلين الدين كـ وسيله رئيسيه يستخدمونها للتأثير على العقول و لكسب تأييد المجتمع لهم و لأفكارهم .
أيضا ً لا يوجد عند الكثير من هؤولاء المتأسلمين , شي إسمه سعة صدر في تبادل الآراء و الأفكار و يتجاهلون سماع أي وجهة نظر و رأي خاص مخالف لهم !
مصطلح ( علماني محافظ )
يردد البعض , مصطلح ( علماني محافظ ) على نفسه ! وتردد هذا المصطلح على مسامعي أكثر من مره فـ كنت أتجاهل الحديث عن معنى و فحوى هذا المصطلح وأسبابه ليس لشئ إلا أنه لم يلفت إنتباهي النقاشي فيه صراحةً ً
حقيقة ً, و برأيي الخاص , هناك ما يبرر سبب إطلاق مثل هذه المصطلح الجديد و الغريب والذي يستخدمه البعض تجنباً للإحراج ! و للإنتقاد الجارح بسبب النظره الخاطئه لـ مفهوم ( العلمانيه ) و مبادئها عند الكثير من أفراد مجتمعنا خصوصاً في المناطق التي تطغى فيها بعض الأفكار و المفاهيم الدينيه المغلوطه والمكفره للعلماني و العلمانيه بالإضافه إلى العديد من الظوابط الإجتماعيه والعادات التي يعتبر مجرد التفكير بالخروج و الشذوذ عنها ,, من المحظورات !
من أكثر المفاهيم الخاطئه و المأخوذه عن العلمانيه
مـثـلا
ً
العلماني كافر + ملحد
العلماني يدعو للعهر و الإبتذال
العلماني منحل أخلاقيا !
العلمانيه ضد الإسلام
العلماني كافر + ملحد
العلماني يدعو للعهر و الإبتذال
العلماني منحل أخلاقيا !
العلمانيه ضد الإسلام
بل أن صاحب لحيه , فارغ عقل , تناقشت معه عن العلمانيه فـختم حديثه بقوله أن العلمانيه معناتها ( إتفصخ بالشوارع ) !
(:
منطق غريب و عقل و كلام أغرب , فيه من الحماقه و الغباء وضعف الحجه ما لا يمكن السكوت عنه أو تجاهل الأسباب التي أدت إلى رسوخ هذا الفهم الخاطئ و الرأي السائد عن العلمانيه !!
لذلك , وبسبب هذا المآسي الفكريه و العقليه ,, يتجنب الكثيرون الأعتراف بقناعتهم بالمنهج السياسي العلماني وكونه الحل الأمثل لقيادة الدوله في هذا الوقت .
لذلك و تجنبا للتعرض للإنتقاد اللاذع و المسيئ و خوفا من البغض الإجتماعي و التجريح الشخصي إستخدم البعض مصطلح (علماني محافظ )
هو أساسا ً نفاق إجتماعي يمارسه الشخص و لعب على الحبلين , حبل حقيقة القناعات و حبل الضوابط الإجتماعيه فـ يختار أي منهما على حسب المتطلبات و الظروف المكانيه و العقليه !
أيضاً يستخدم هذا المصطلح بعض السياسيين حتى يحافظوا على مصالحهم و حتى يكسبوا كافة أطياف المجتمع بمختلف توجهاتهم الفكريه !!
علماً , أن هناك عمليات غسيل مخ للشباب تحدث بالمساجد و التجمعات تقام تحت مسمى المحاضرات و الحلقات الدينيه و يتم فيها غرس الأفكار المتطرفه و التكفيريه في عقول الشباب مما جعل كل من يختلف فكراً و إعتقاد عنهم هو شخص خارج المله و مكروه إجتماعيا ً .
مبدأهم ,, نبذ الطرف الآخر , المختلف عنهم !
لا أستغرب من يستغربون و يكذبون كلامي هذا عما هو قناعه عامه عند شريحه كبير من أبناء المجتمع عن العلمانيه !
لكنني مؤمن بالحكمه التي تقول
( الناس على إستعداد لـ تصديق كل شي ,, إلا الحقيقه ! )
أسئل نفسي أحيانا ً
ما الذي يمنع العلماني المسلم , من تجاهل بعض المبادئ العلمانيه متى ما وجد فيها معارضه صريحه لقواعد الإسلام الاساسيه فإذا كانت , فرنسا , و هي معقل العلمانيه و منشئها لا تطبق العلمانيه بحذافيرها , مثل ما بدر قبل سنوات من قبل الحكومه الفرنسيه التي أصدرت قانون يمنع المرأه من إرتداء الحجاب في الجامعات و المدارس الفرنسيه !
أليس هذا يعد تعدي سافر على حرية المرأه الشخصيه !؟
لكن , وعندما رأت الحكومه تعارض الحجاب مع المصلحه العامه للدوله , تجاهلت حق و مبدأ علماني مهم حفاظا ً على أمن و سلامة الدوله و الشعب ,, كما بررت هي ذلك !
إذا ً
يحق للعلماني تجاهل ما يراه متعارضاً في علمانيته مع مبادئ و شرائع الدين الإسلامي
فـ يطلق على نفسه
علماني ,, وفق الضوابط الشرعيه
أو
عـلـمــاني مــحـــافظ
خــتــــامــا ً
تبقى العلمانيه من وجهة نظري هي سياسه و طريقة إدارة عام وليست ديـن حتى تكون تغريبيه و تحارب الإسلام و هي أيضا تتيح للفرد الحريه مع نفسه و عقله حتى يعتقد فيما يريد في كل ما يريد .
** ** **